الوكسة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الوكسة
لنفترض أن هناك مواطنا مصريا حسن الحظ ولد في الخامس من يونيو عام 1967، ومع أول صرخة له في الحياة كانت الطائرات المصرية تُدك في المطارت دون أن تتحرك قيد أنملة، وكان جنودنا المرابضون على الحدود يستقبلون الرصاصات التي تأتيهم من كل صوب، وكانت دبابتنا تنصهر على لهيب النيران الإسرائيلية كما ينصهر قالب الزبد عندما نعرضه للشمس..
وعندما كبر هذا المواطن المصري حسن الحظ وأصبح عمره خمسة أيام فقط سمع بأذنيه خطاب التنحي الشهير للرئيس "عبد الناصر" الذي يعلن فيه تحمله للمسئولية وعودته إلى صفوف الجماهير-وهذا اعتراف ضمني منه بأنه أصلا كان بعيدا عن الجماهير!-، ثم رأى هذا المواطن المحظوظ أباه وهو يجري من الشقة وعيونه مليئة بالدموع وهو يهتف "لاتتنحى لاتتنحى"، دعونا نفترض أن هذا الطفل بعمره الذي يقل عن أسبوع كان يمتلك عقلية جعلته يتساءل وهو يشاهد كل هذا العبث "لماذا خسرنا بهذا الشكل المهين، وكيف يمكن لشعب أن يتمسك برئيس قاده إلى هزيمة قاسية؟!".
سيكبر طفلنا هذا وسيرى بطولات حرب الاستنزاف، وسيرى أيضا أبواب المعتقلات الصدئة تفتح على مصراعيها لتمتلئ بالمعارضين، ولأن طفلنا هذا ذكي كما قلنا فحتما سيتساءل لماذا يدخل هؤلاء المصريون السجون.. وأين يكمن الأعداء؟ في داخل الوطن أم على الحدود.؟"..
سيكبر الطفل وتكبر معه الأسئلة ولن يكون عمره قد تجاوز الرابعة عندما يلمح جنازة مليونية هائلة مليئة بالدموع والآهات، وترفع فيها صور "عبد الناصر"، ولأنه مصري سيتفهم جدا كل هذا الحزن المزروع في كل بيت مصري، وقد يصاب الولد بالجنون عندما يعرف أن في المعتقلات من كاد يفقد روحه من كثرة البكاء حزنا على "عبد الناصر" الذي رحل رغم أن آثار الكرابيج على ظهر هذا الباكي لم تزل ظاهرة، فسيتساءل طفلنا "كيف يستعذب المصريون جلاديهم؟ ولماذا بدلا من أن يقاوموهم يبكون عليهم عند الرحيل؟".
وسيكبر الطفل أكبر.. وسيكون عمره ست سنوات فقط عندما يرى الشربات يوزع في المقاهي وفي قلب الحارات وعندما يلمح دموع الفرح الصادق تقفز من عيون المصريين لأول مرة منذ سنين.. وسيسمع بأذنيه التي سمعت بيان التنحي.. بيان النصر وعبور القوات المصرية لقناة السويس.. وسيرى في الصحف صورة العلم المصري وهو يرفرف على أرض سيناء وصورة العلم الإسرائيلي البغيض وهو ممزق.
وبعد أن يكبر ويصبح عمره ثماني سنوات.. سيرصد بعيونه الواعية هجرة المصريين خارج بلادهم.. سيجد الكل يهرب من البلد صوب بلاد البترول.. وسيتساءل بنفس ذكائه الملحوظ "طيب إذا هاجر الجميع بحثا عن التليفزيون والفيديو والريكوردر..مين هيعمر سيناء اللي رجعت سالمة لينا؟".. فلن يسمع سوى ضحكات سخرية في أفضل الأحوال.. وشتائم بذيئة في أغلب الأحوال لأن "سيناء أصلا لسه مارجعتش ياحمار.. والبلد ماعدتش بلدنا.. واللي يعرف يهرب منها ومايهربش يبقى زيك..حمار"!.
ويكبر طفلنا.. وسيصبح عمره عشرة سنوات عندما يرى على شاشة التليفزيون، الرئيس "السادات" وهو يخطو بقدميه أولى خطواته في أرض العدو.. وسيصفق له حتى تتورم يده بعد خطابه التاريخي في الكنيست.. وسيشعر أن بلاده انتصرت فعلا.. لأن المهزومين لا يتكلمون بهذه الثقة وهذا الجد.. ولايبقى الشعور كثيرا.. ويأتي عام 1979 عندما يمر مع صديقته الصغيرة أمام تلك العمارة الشاهقة فيرى العلم الإسرائيلي يرفرف فوقها.. فيتساءل.. "هو إيه اللي جاب العلم ابن .... ده هنا!"، وستتوالى الأسئلة.. في سبتمبر 1981 سيجن جنونه.. وهو يرى الرئيس "السادات" يتحكم في البلاد بعصبية مفرطة، ويجمع كل الشامي والمغربي والشيوعي على الإخواني ويصنفهم كلهم تحت خانة أعداء الوطن، بعد أن يتخيل أنه صار هو نفسه الوطن وأن هؤلاء أصبحوا أعداءه!
وبعد أن كبر طفلنا وصار شابا يافعا كبيرا -حلو كده!- واحتفل بعيد ميلاده الثلاثيني، لم يستطع أن يمنع عقله من التفكير وظلت الأسئلة تلاحقه كما تلاحق اللعنات الشيطان إلى يوم الدين "لماذا سكنت مصر هكذا؟ وهل معنى الاستقرار الجمود؟ ولماذا بات الناس صامتين متجهمين حتى في بيوتهم؟ يرى الواحد منهم الفساد فيعمل نفسه مش واخد باله؟ يرى الحرامي يهرب بفلوسه فيغبطه ويتمنى أن يكون مكانه؟ يرى قدم رجل الأمن تدوس على كرامته فينظر له مستعطفا أن يخفف من قسوته فقط حتى يستطيع أن يعيش..فقط يعيش؟"
الآن.. كبر طفلنا وصار عمره تسعة وثلاثين عاما بالتمام والكمال.. وهاهو ضيفا على برنامج تليفزيوني تحاوره فيه مذيعة بلهاء تضع الأحمر والأصفر والفوشيا وتسأله: شعورك إيه بعد مرور كل السنين دي عليك..شفت فيها مصر وهي تمر بلحظات تحول كتير.. من أول حرب يونيو لغاية تعديل المادة 76 من الدستور.. إيه شعورك..ها..إيه شعورك؟!"
سينظر لها طفلنا الذي كبر في استياء ثم سيقوم من مقعده وسينزع الميكرفون في عنف وهو يقول لها في سخرية : "والله ياخالتي اللي أنا شايفه أن مصر تطورت كثيرا.. فبعدما كنا في نكسة.. أصبحنا نعيش ..الوكسة!"
لنفترض أن هناك مواطنا مصريا حسن الحظ ولد في الخامس من يونيو عام 1967، ومع أول صرخة له في الحياة كانت الطائرات المصرية تُدك في المطارت دون أن تتحرك قيد أنملة، وكان جنودنا المرابضون على الحدود يستقبلون الرصاصات التي تأتيهم من كل صوب، وكانت دبابتنا تنصهر على لهيب النيران الإسرائيلية كما ينصهر قالب الزبد عندما نعرضه للشمس..
وعندما كبر هذا المواطن المصري حسن الحظ وأصبح عمره خمسة أيام فقط سمع بأذنيه خطاب التنحي الشهير للرئيس "عبد الناصر" الذي يعلن فيه تحمله للمسئولية وعودته إلى صفوف الجماهير-وهذا اعتراف ضمني منه بأنه أصلا كان بعيدا عن الجماهير!-، ثم رأى هذا المواطن المحظوظ أباه وهو يجري من الشقة وعيونه مليئة بالدموع وهو يهتف "لاتتنحى لاتتنحى"، دعونا نفترض أن هذا الطفل بعمره الذي يقل عن أسبوع كان يمتلك عقلية جعلته يتساءل وهو يشاهد كل هذا العبث "لماذا خسرنا بهذا الشكل المهين، وكيف يمكن لشعب أن يتمسك برئيس قاده إلى هزيمة قاسية؟!".
سيكبر طفلنا هذا وسيرى بطولات حرب الاستنزاف، وسيرى أيضا أبواب المعتقلات الصدئة تفتح على مصراعيها لتمتلئ بالمعارضين، ولأن طفلنا هذا ذكي كما قلنا فحتما سيتساءل لماذا يدخل هؤلاء المصريون السجون.. وأين يكمن الأعداء؟ في داخل الوطن أم على الحدود.؟"..
سيكبر الطفل وتكبر معه الأسئلة ولن يكون عمره قد تجاوز الرابعة عندما يلمح جنازة مليونية هائلة مليئة بالدموع والآهات، وترفع فيها صور "عبد الناصر"، ولأنه مصري سيتفهم جدا كل هذا الحزن المزروع في كل بيت مصري، وقد يصاب الولد بالجنون عندما يعرف أن في المعتقلات من كاد يفقد روحه من كثرة البكاء حزنا على "عبد الناصر" الذي رحل رغم أن آثار الكرابيج على ظهر هذا الباكي لم تزل ظاهرة، فسيتساءل طفلنا "كيف يستعذب المصريون جلاديهم؟ ولماذا بدلا من أن يقاوموهم يبكون عليهم عند الرحيل؟".
وسيكبر الطفل أكبر.. وسيكون عمره ست سنوات فقط عندما يرى الشربات يوزع في المقاهي وفي قلب الحارات وعندما يلمح دموع الفرح الصادق تقفز من عيون المصريين لأول مرة منذ سنين.. وسيسمع بأذنيه التي سمعت بيان التنحي.. بيان النصر وعبور القوات المصرية لقناة السويس.. وسيرى في الصحف صورة العلم المصري وهو يرفرف على أرض سيناء وصورة العلم الإسرائيلي البغيض وهو ممزق.
وبعد أن يكبر ويصبح عمره ثماني سنوات.. سيرصد بعيونه الواعية هجرة المصريين خارج بلادهم.. سيجد الكل يهرب من البلد صوب بلاد البترول.. وسيتساءل بنفس ذكائه الملحوظ "طيب إذا هاجر الجميع بحثا عن التليفزيون والفيديو والريكوردر..مين هيعمر سيناء اللي رجعت سالمة لينا؟".. فلن يسمع سوى ضحكات سخرية في أفضل الأحوال.. وشتائم بذيئة في أغلب الأحوال لأن "سيناء أصلا لسه مارجعتش ياحمار.. والبلد ماعدتش بلدنا.. واللي يعرف يهرب منها ومايهربش يبقى زيك..حمار"!.
ويكبر طفلنا.. وسيصبح عمره عشرة سنوات عندما يرى على شاشة التليفزيون، الرئيس "السادات" وهو يخطو بقدميه أولى خطواته في أرض العدو.. وسيصفق له حتى تتورم يده بعد خطابه التاريخي في الكنيست.. وسيشعر أن بلاده انتصرت فعلا.. لأن المهزومين لا يتكلمون بهذه الثقة وهذا الجد.. ولايبقى الشعور كثيرا.. ويأتي عام 1979 عندما يمر مع صديقته الصغيرة أمام تلك العمارة الشاهقة فيرى العلم الإسرائيلي يرفرف فوقها.. فيتساءل.. "هو إيه اللي جاب العلم ابن .... ده هنا!"، وستتوالى الأسئلة.. في سبتمبر 1981 سيجن جنونه.. وهو يرى الرئيس "السادات" يتحكم في البلاد بعصبية مفرطة، ويجمع كل الشامي والمغربي والشيوعي على الإخواني ويصنفهم كلهم تحت خانة أعداء الوطن، بعد أن يتخيل أنه صار هو نفسه الوطن وأن هؤلاء أصبحوا أعداءه!
وبعد أن كبر طفلنا وصار شابا يافعا كبيرا -حلو كده!- واحتفل بعيد ميلاده الثلاثيني، لم يستطع أن يمنع عقله من التفكير وظلت الأسئلة تلاحقه كما تلاحق اللعنات الشيطان إلى يوم الدين "لماذا سكنت مصر هكذا؟ وهل معنى الاستقرار الجمود؟ ولماذا بات الناس صامتين متجهمين حتى في بيوتهم؟ يرى الواحد منهم الفساد فيعمل نفسه مش واخد باله؟ يرى الحرامي يهرب بفلوسه فيغبطه ويتمنى أن يكون مكانه؟ يرى قدم رجل الأمن تدوس على كرامته فينظر له مستعطفا أن يخفف من قسوته فقط حتى يستطيع أن يعيش..فقط يعيش؟"
الآن.. كبر طفلنا وصار عمره تسعة وثلاثين عاما بالتمام والكمال.. وهاهو ضيفا على برنامج تليفزيوني تحاوره فيه مذيعة بلهاء تضع الأحمر والأصفر والفوشيا وتسأله: شعورك إيه بعد مرور كل السنين دي عليك..شفت فيها مصر وهي تمر بلحظات تحول كتير.. من أول حرب يونيو لغاية تعديل المادة 76 من الدستور.. إيه شعورك..ها..إيه شعورك؟!"
سينظر لها طفلنا الذي كبر في استياء ثم سيقوم من مقعده وسينزع الميكرفون في عنف وهو يقول لها في سخرية : "والله ياخالتي اللي أنا شايفه أن مصر تطورت كثيرا.. فبعدما كنا في نكسة.. أصبحنا نعيش ..الوكسة!"
saber_tooth- ملهوش حل
- عدد الرسائل : 161
تاريخ التسجيل : 28/09/2007
رد: الوكسة
مممممممممممممممممممممم
والله انا مش لاقيه كلام يقال
بدون تعليق
نكسه او وكسه مفرقتش كتير
NOR_ELGENAN- الباشا الكبير
- عدد الرسائل : 552
تاريخ التسجيل : 23/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2010-11-19, 4:43 pm من طرف مشجع الزعيم
» جورج وعيد الأضحى
2010-11-19, 4:41 pm من طرف مشجع الزعيم
» إنما المؤمنون إخوة
2010-11-19, 4:39 pm من طرف مشجع الزعيم
» ذلك هو الفوز العظيم
2010-11-19, 4:36 pm من طرف مشجع الزعيم
» الكسل لايطعم العسل
2010-11-19, 4:33 pm من طرف مشجع الزعيم
» للاتصال 3000 دقيقه مجانا ولفترة محددة ادخل بسرعه
2009-10-09, 12:58 am من طرف مشجع الزعيم
» قوانين لن يسمح بتجاوزها
2009-10-09, 12:52 am من طرف مشجع الزعيم
» على السادة الاعضاء الدخول هنا فورا
2009-10-09, 12:46 am من طرف مشجع الزعيم
» من نحن
2009-10-06, 6:26 pm من طرف احمد صلاح
» شوفتو اللى حصل
2009-09-30, 9:21 pm من طرف بنت الاسلام
» الان ولفترة غير محدودة احجز مقعدك فى الجنة التذاكركتييير
2009-09-15, 9:51 pm من طرف moazhassan
» صحيت من النوم فجأة
2009-09-15, 9:22 pm من طرف moazhassan
» عايز فلوس على النت وتشترى اللى انت عايزية يبقى والله من هنا
2009-09-15, 9:15 pm من طرف moazhassan
» هل تعرف ماهى عقوبة الكذب عند النمل؟
2009-08-06, 11:23 am من طرف medo
» فيديو كليب سيطير النوم من عينك
2009-07-28, 12:35 pm من طرف moazhassan
» ملك لسنة واحدة فقط
2009-07-19, 1:08 am من طرف مشجع الزعيم
» مكتبة فديوهات لرائد التنميه البشريه الدكتور/ إبراهيم الفقي
2009-07-15, 1:19 pm من طرف muslema_99
» شعار الامتحانات
2009-04-29, 5:54 pm من طرف shmas_elasel
» ساكتة لسة!!!!!!!!
2009-04-29, 5:51 pm من طرف shmas_elasel
» صالات للجلوس............
2009-04-29, 5:46 pm من طرف shmas_elasel